ملاقاة الملائكة في المنام: دلالات الخير والإنذار ورموزها
دليل شامل لتفسير ملاقاة الملائكة في المنام وفق ابن سيرين والنابلسي: رموز البشرى والنصرة، ودلالات التحذير والفتنة، وكيف ترجّح المعنى حسب سياق الرؤيا.
تفسير محمد بن سيرين
وفقًا لـمحمد بن سيرين في كتابه تفسير الاحلام الكبير (دار الارقم بن ابي الارقم - بيروت / لبنان, 2016)، فإن رؤية الملائكة في المنام تحمل دلالات متعددة تعتمد على سياق الرؤيا وحال الملائكة.
ويرى ابن سيرين أن رؤية الملائكة إذا كانوا معروفين مستبشرين فإن ذلك يدل على ظهور شيء لصاحب الرؤيا، كالعز والقوة، والبشارة، والنصرة بعد ظلم، والشفاء بعد مرض، والأمن بعد خوف، واليسر بعد فقر، أو الفرح بعد شدة. ويضيف أن هذه الرؤيا قد تقتضي أن يحج صاحبها ويغزو فيستشهد.
ويشير محمد بن سيرين إلى أن رؤية الملائكة في موضع على خيل تدل على هلاك جبار في ذلك الموضع. وأن رؤية الطيور التي لا تعرف أعيانها، إذا فُسرت على أنها ملائكة، فإن رؤيتهم في المكان دليل على قيام من الظالمين ونصر المظلومين.
ويفيد أن من رأى كأن الملائكة يسلمون عليه، فإن الله سيأتيه بصيرة في حياته ويختم له بالخير.
ويوضح أن من رأى أنه يطير مع الملائكة أو يصعد معهم إلى السماء ولا يرجع، فإنه سينال شرفًا في الدنيا ثم يستشهد.
ويرى ابن سيرين أن مجرد النظر إلى الملائكة قد يدل على إصابة صاحب الرؤيا بمصيبة. وينبه إلى أن رؤية الملائكة يلعنون الرائي هي دليل وهن في دينه. ويورد أن رؤية الملائكة يضجون تدل على خراب بيت الرائي ومسكنه. ويذهب إلى أن رؤية رهط من الملائكة في بلد أو محلة أو قرية قد تعني موت عالم أو زاهد هناك، أو قتل رجل مظلوم، أو هدم دار على قوم. ومن قوله، أن رؤية الملائكة يصنعون مثل صناعة الرائي تدل على ارتفاقه بصناعته؛ فإن كان من أهل الخير أصاب خيرًا، وإن لم يكن فليحذر.
ويفرق ابن سيرين بين الملائكة بأنواعهم، فمن رأى كأنه يعادي جبريل وميكائيل أو يجادلهما، فإنه في أمر يحل به نقمة الله تعالى، وقد يكون رأيه موافقًا لرأي اليهود. أما إن رأى أنه أخذ من جبريل طعامًا، فإن ذلك يدل على كونه من أهل الجنة إن شاء الله. ويستدرك بأن جبريل إذا رؤي حزينًا مهمومًا، أصابت صاحب الرؤيا شدة وعقوبة، لكونه ملك العقوبة.
وفيما يتعلق بميكائيل عليه السلام، فإن من رآه فنال مناه في الدارين إن كان تقيًا، وإن لم يكن تقيًا فليحذر. ثم يوضح أن رؤيته في بلدة أو قرية إذا أمطر أهلها ورخصت أسعارها، وكلم صاحب الرؤيا أو أعطاه شيئًا، فإنه ينال نعمة وسرورًا، لأنه ملك الرحمة.
ويعود ابن سيرين لذكر إسرافيل، فمن رآه محزونًا ينفخ في الصور وظن أنه سمعه وحده دون غيره، فإن صاحب الرؤيا يموت. وإن كان يظن أن أهل ذلك الموضع سمعوه، ظهر في ذلك الموضع موت ذريع. وقيل إن رؤية إسرافيل تدل على العدل بعد انتشار الظلم وعلى هلك الظلمة في تلك الناحية.
وأما ملك الموت، فمن رآه مسرورًا مات شهيدًا. ومن رآه باسِرًا ساخطًا مات على غير توبة. وذكر ابن سيرين أن من رأى كأنه يصارع ملك الموت فصرعه، مات. وإن لم يكن صرعه، فقد أشفى على الموت ثم نجاه الله. وأخيرًا، يذهب محمد بن سيرين إلى أن رؤية ملك الموت تدل على طول العمر.
وينتقل ابن سيرين للحديث عن الكرام الكاتبين، فرؤيتهم تدل على نيل السرور والفرح في الدنيا والآخرة، ورزق حسن الخاتمة لمن كان من أهل الصلح، وإلا خيف عليه. وأشار بعض أهل العلم بهذه الصناعة، وفقًا لابن سيرين، إلى أن رؤية الملك في صورة شيخ دليل على الزمان الماضي، ورؤيته في صورة الشبان دليل على الزمن الحاضر، ورؤيته في صورة صبي دليل على الزمان المستقبل.
وأما من رأى كأنه صار في صورة ملك، فإن كان في شدة نال الفرج، وإن كان في رق عتق، وإن كان شريفًا نال رياسة، وإن كان مريضًا دلت هذه الرؤيا على موته. وقد روى ابن سيرين قصة لرجل رأى الملائكة يصلون عليه، ففسرها المعبر بدخوله في دين الله وشريعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
تفسير عبد الغني النابلسي
وفقًا لـعبد الغني النابلسي في كتابه تعطير الأنام في تفسير الأحلام (وكالة الصحافة العربية, 2017)، فإن رؤية الملائكة تحمل دلالات متعددة:
فمن رأى الملائكة الروحانيين، فإنه ينال شرفًا وعزًا وبركة ورزقًا وسمعة طيبة بين الناس، وقد يصير كاهنًا أو عرافًا، إلا أنه قد يصيبه في آخر عمره نقصان وشدة بسبب نمّام أو مغتاب . وإذا رأى الإنسان أنه تحول إلى ملك، فذلك يدل على نيله شرفًا وعزًا .
وإن رأى أنه يصارع ملكًا، فإنه يزول عن مكانه وعزه ومرتبته وينال همًا وغما . وقد يدل مصارعة الملك على نيل الهم والذل بعد العز . وإذا رأى الملائكة دخلوا داره، دخل عليه لص . وإن رأى أن ملكًا أخذ منه سلاحه، فذلك دليل على ذهاب ماله وقوته ومنفعته، وربما فارق زوجته .
ومن رأى الملائكة معهم أطباق الفاكهة، فإنه يخرج من الدنيا شهيدًا . وإن رآهم يلعنونه، دل ذلك على رقة في الدين . أما الملائكة المتضادون، مثل ملائكة السماء وملائكة الجحيم إذا رآهم الإنسان جميعًا، فذلك يدل على عداوة وتشتت .
وإن رأى أنه يواقع ملكًا أو يواقعه ملك، فإذا كان مريضًا دل ذلك على موته . ويرى النابلسي أنه إذا رأى الملك صبيًا، دل على الزمان المستقبل، وإذا رآه شابًا، دل على الزمان الحاضر، وإذا رآه شيخًا، دل على الزمان الماضي .
كما يذكر النابلسي أن من رأى أنه صار ملكًا، فإنه يصير كاهنًا أو عرافًا أو نمّامًا همازًا، وإن كان مريضًا دل ذلك على موته . وإذا جامع الملائكة، فإن وجد لذة نال مالًا من أشراف الناس، وإن لم يجد لذة دل ذلك على موته .
ويشير إلى أن من رأى أنه يطير مع الملائكة أو هو معهم في السماء، فإنه ينال الشهادة ويفوز برضوان الله تعالى وكرامته . وإن رأى الملائكة في مكان وهو يخافهم، وقع هناك حرب وفتنة وخصومة وعداوة .
وإن رأى أن الملائكة قد هبطت من السماء إلى الأرض، كان ذلك وهنًا للمبطلين ونصرة للمحقين . وإن رآهم هابطين إلى الأرض وهم يتكلمون بكلام فيه الخير والبشرى، نال الشهادة والسرور في الدنيا . وإن رآهم يسجدون له أو يركعون، قضيت حوائجه ورُزق الصلاح وحسن الذكر والصيت في الدنيا .
ويرى المؤلف أن رؤية الملائكة على صورة النساء تدل على الكذب على الله تعالى . وإن رأى ملكًا من الملائكة يقول له: "اقرأ كتاب الله"، فإن كان الرجل مستورًا نال مسرة، وإلا خيف عليه . وإن رأى الملائكة يبشرونه بغلام، ولد له ابن عالم صالح تقي يقتدى به .
ويفيد أن رؤية نفر من الملائكة في بلدة أو قرية تدل على موت عالم أو زاهد هناك، وقتل رجل مظلوم . ومن رأى أنه ينظر إلى الملائكة، فإنه يصاب في ولده وماله .
ويوضح النابلسي أن من رأى الملائكة يسلمون عليه، آتاه الله بصيرة في حياته وختم له بخير . وإذا رأى الكافر أن الملائكة يصلون عليه ويستغفرون له، أسلم . ورؤية الملائكة قد تدل على الشهود، أو الأمناء، أو أصحاب الشرط، أو رسل أولي الأمر .
وإذا رأى ملائكة العذاب دخلوا على الميت ولم يخف منهم، دل على الأمن من حيث يخاف، خصوصًا إن كان مسافرًا فيأمن من قطاع الطريق . وإن سلموا عليه أو لقنوه حجته أو وعدوه بخير، فبشارة له ببلوغ أمله وأمنه وعزه وغناه وفرحه وطيبة قلبه . وإن رآهم مفزعين له غضابًا وضربوه بالمقامع أو أزعجوه، ربما ارتد عن دينه أو عاد إلى معصية أو أسخط والديه أو ترك ما أوجبه الله عليه . وتدل رؤيتهم على رسل الملك أو نائبه أو الحاكم . فإن أخبر الميت أنهم لم يدخلوا عليه، دل ذلك على حسن سيرته وقبول طاعته وحسن عاقبته، وإن كان عليه دين برئت ذمته منه .
وربما تدل رؤيتهم على عافية المريض . وربما تدل على التراجمة العرافين بلغات الناس، فإنهم يسألون كل أحد على حسبه بلغته . ورؤية "رومان الملك" لمن كان فقيرًا تدل على أنه يستغني، وإن كان بطالًا تدل على أنه يخدم أو يتشهد ويضيع رسم شهادته .
كما يشير النابلسي إلى أن من رأى أنه صار في صورة ملك، فإن كان في شدة نال الفرج، وإن كان في رق عتق، وإن كان شريفًا نال زيادة ورياسة .
ويفيد أن الملائكة تستغفر له، صلح في دينه وحاله وكثر ماله . وإذا نزلت الملائكة في المقابر، دُفن هناك الصالحون .
وإذا رأى الملك (من الملائكة) عليه السلام يكلمه أو يعطيه شيئًا، فإن ذلك شهادة يرزقها إن شاء الله تعالى . ومن رأى الملائكة نزلوا في موضع، فإن أهله إن كانوا في حرب نصروا، أو إن كانوا في كرب فرج عنهم . وربما دل نزولها على عسكر يبعثه السلطان إلى تلك الأرض، أو على وباء أو طاعون إذا كثر طلوعها ونزولها في الدور أو على السقوف . وربما دل نزول أشراف الملائكة على الأمراء أو القواد والعمال .
ويذكر النابلسي أن رؤية "حفظة" وهم الكرام الكاتبون من الملائكة في المنام تدل على علماء أعلام أمناء . ورؤية الكرام الكاتبين بشر وسر في الدنيا والآخرة، وختم له بالجنة إن كان تقيًا .
وإذا رأى الطيور تطير فوق رأسه، فإنه ينال ولاية ورياسة، وإن رأى طيورًا تطير في محله، فهم الملائكة .
تفسير منصة مفاتيح المنام (الذكاء الاصطناعي)
التأويل: لقاء الملائكة في المنام يُومئ غالبًا إلى المرور بشدّة يعقبها فرج وعون، فهو علامة ابتلاء يتلوه خلاص بإذن الله، لا سيّما إن اقترن اللقاء بالسكنية أو السلام والبِشرى. وقد يدلّ نزولهم في الموضع على نُصرةٍ ورفع كرب، أمّا إن وقع مع اللقاء خوفٌ واضطراب فربما كان إنذارًا بخصومة أو فتنة في المحيط القريب. هذا مجمله، ويرجَّح وجه الخير ما أمكن.
التحليل وبيان الرموز والمعاني:
- الرموز الرئيسة: الملائكة، فعل “الملاقاة/اللقاء”، شعور الرائي أثناءها (طمأنينة/خوف)، وهيئتهم وكلامهم ومكان اللقاء.
- دلالات مأثورة:
- نصّ أهل التعبير: جاء في تعطير الأنام: “ملاقاة الملائكة: تدل في المنام على الوقوع في الشدائد، والخلاص منها” ، كما قرّر أن نزول الملائكة في موضع إن كان أهله في كرب فُرِّج عنهم، وإن رآهم الرائي وهو يخافهم وقع هناك حرب وفتنة وخصومة وعداوة.
- من الوحي: القرآن يربط نزول الملائكة بالبِشرى والتثبيت للمؤمنين: “إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا…” ، ونصّ على تحية الملائكة للطيبين عند الوفاة “الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم…” ، وجعل إنزالهم بشرى بالنصر يوم بدر لتطمئن القلوب . فهذه المعاني تُسند حمل الرؤيا على البشارة بالعون بعد ابتلاء إذا ظهرت قرائن السكينة والبِشرى فيها.
- الترجيح حسب القرائن:
- إن كان اللقاء مقرونًا بسلامٍ أو تبشير فالمعنى أقرب للبِشرى وتيسير الأمور وقضاء الحاجات.
- إن غلب عليه الخوف والفزع فقد يُحمل على إنذار بفتنةٍ أو خصومة ينبغي اتقاؤها والحذر منها.
- البعد النفسي والحياتي:
- رؤية الملائكة قد تعبّر عن حاجة نفسية للتثبيت والطمأنينة وقت الضغوط، أو توقٍ لمعنى الحفظ والولاية الإلهية، أو رغبة في الخروج من مأزق مع الشعور برقابة الضمير. فإن كان الرائي في كرب فرجّح أن الرؤيا تبشره بالمعونة والفرج، وإن كان في منازعات فلتُقرأ الرؤيا كمذكِّر بالحكمة وترك أسباب الفتنة.
تنبيه ونصيحة:
- لقلّة التفاصيل، فالتأويل عامّ. إن تكرّمتم ببيان: حالكم (ديْن/صحة/عمل)، شعوركم أثناء اللقاء، هيئة الملائكة وكلامهم، المكان والزمان؛ أمورٌ بها يتحدّد الوجه الراجح. وإلى أن يتبيّن، فالأنفع هو الإقبال على الذكر والاستعاذة والدعاء بتثبيت القلب، واتخاذ أسباب الصلح ودفع الخصومة، رجاء أن يتحقق لكم من معنى “ألا تخافوا ولا تحزنوا” ما يطمئنكم.
المراجع
عبد الغني النابلسي، تعطير الأنام في تفسير الأحلام (وكالة الصحافة العربية، 2017)، ص. 1159-1160.
عبد الغني النابلسي، تعطير الأنام في تفسير الأحلام (وكالة الصحافة العربية، 2017)، ص. 1159.
عبد الغني النابلسي، تعطير الأنام في تفسير الأحلام (وكالة الصحافة العربية، 2017)، ص. 1161.
عبد الغني النابلسي، تعطير الأنام في تفسير الأحلام (وكالة الصحافة العربية، 2017)، ص. 1160-1161.
عبد الغني النابلسي، تعطير الأنام في تفسير الأحلام (وكالة الصحافة العربية، 2017).
عبد الغني النابلسي، تعطير الأنام في تفسير الأحلام (وكالة الصحافة العربية، 2017)، ص. 1157-1159.
عبد الغني النابلسي، تعطير الأنام في تفسير الأحلام (وكالة الصحافة العربية، 2017)، ص. 267.
عبد الغني النابلسي، تعطير الأنام في تفسير الأحلام (وكالة الصحافة العربية، 2017)، ص. 811-812.
عن المصادر
الكتاب المنسوب لابن سيرين هو مدونة تفسيرية جُمعت عبر أجيال، ونسبتها لابن سيرين محل خلاف بين المحققين.
