تفسير رؤية المسكر في المنام لابن سيرين والنابلسي بالتفصيل
اكتشف دلالات رؤية المسكر والخمر في المنام بين مال وسلطان وفتنة، وتأويل السكر من غير شرب بالخوف، ومعاني التساكر وتمزيق الثياب، وآراء ابن سيرين والنابلسي بالتفصيل
تفسير محمد بن سيرين
وفقًا لـمحمد بن سيرين في كتابه تفسير الاحلام الكبير (دار الارقم بن ابي الارقم - بيروت / لبنان, 2016)، يقدم تفسيرات متعددة تتعلق بالحالة المسكرة وما يرتبط بها من رؤى.
يبين ابن سيرين أن رؤية السكر في المنام تتنوع دلالاتها. فالسكر من غير شراب، بحسب ما أورد، هو هم وخوف وهول، مستندًا في ذلك إلى قوله تعالى: "وترى الناس سكارى وما هم بسكارى" .
أما السكر الناتج عن شرب الخمر، فيشير محمد بن سيرين إلى أنه يؤول إلى مال وبطر وسلطان يناله صاحب الرؤيا . كما يذهب إلى أن هذا النوع من السكر قد يعني الأمان من الخوف، ذلك أن السكران لا يفزع من شيء .
غير أن محمد بن سيرين يذكر جوانب سلبية لهذا النوع من السكر. فهو يوضح أن الرجل إذا رأى نفسه سكرانًا وهو يمزق ثيابه، دل ذلك على أنه رجل إذا اتسعت دنياه بطر، ولا يحتمل النعم، ولا يضبط نفسه . ويفيد بأن من شرب خمرًا وسكر منها أصاب مالًا حرامًا، ونال من ذلك المال سلطانًا بقدر مبلغ السكر منه . ويرى أن السكر بشكل عام قد يكون رديئًا للرجال والنساء، إذ يدل على جهل كثير .
وفي تفصيلات أعمق تتعلق بالخمر والسكر، يقول ابن سيرين إن من رأى أنه شرب الخمر وليس له من ينازعه فيها، فإنه يصيب مالًا حرامًا . وإن شربها وله من ينازعه، فقد أشار إلى أنه ينازعه في الكلام والخصومة بقدر ذلك . ولو رأى الشخص أنه أصاب نهرًا من خمر، فإن ابن سيرين يفسره بأنه يصيب فتنة في دنياه بقدر ما ناله منه . وينبه إلى أن رؤية الإنسان بين جماعة كثيرة يشربون الخمر هي رؤية ردئة، لأن كثرة الشراب يتبعها سكر، والسكر سبب للشغب والمضادة والقتال .
ويذهب إلى أن شرب الخمر بالنسبة للوالي يعني العزل . ويرى أن نبيذ التمر يدل على مال فيه شبهة، وشربه يعني اغتمامًا . وفيما يتعلق بشرب الخمر الممزوجة بالماء، فقد أورد ابن سيرين آراء مختلفة: فقد قيل إنها تنال مالًا بعضه حلال وبعضه حرام ، وقيل إنها إصابة مال في شوكة، وقيل إنها تأخذ من امرأة مالًا وتقع في فتنة . كما نوه إلى أن الخمر لمن أراد الشركة والتزويج قد تعني الموافقة بسبب امتزاجها . وفي سياق حكاية، فسر ابن سيرين شرب الخمر للرجل بأنه يحوز امرأة .
وبعيدًا عن دلالات الخمر والسكر، يذكر محمد بن سيرين في سياق مختلف تفسيرات لمواد حلوة. فالسكر المطبوخ والفانيد وما شابههما، بحسب قوله، تدل على كلام حلو حسن يُقبل من حبيب أو ولد أو زوجة . وإذا كان ما عقد من العسل والحلو قام به صاحب الرؤيا، فقد أوضح ذلك على أنه يجمع مالًا من كده وسعيه الطيب؛ وإن أفاد منه ولم يدرِ من عقده، نال ذلك من عمل غيره كالفوائد والغنائم والمواريث .
ويشير محمد بن سيرين إلى أن "السكرة الواحدة" قد تعني قُبلة من حبيب أو ولد، بينما "السكر الكبير" يدل على أقوال وقيل .
وفي سياق أخير، ربط ابن سيرين بين الكرم (الذي ينتج الخمر المسكرة) وبين النساء، إذ اعتبره كالبستان بشربه وحمله ولذته، وأن الخمر منه تكتسب صفة التخدير للجسم. وربما دل الكرم على الرجل الكريم الجواد النافع، لكن الحالة المسكرة نفسها تستخرج منه .
تفسير عبد الغني النابلسي
وفقًا لـعبد الغني النابلسي في كتابه تعطير الأنام في تفسير الأحلام (وكالة الصحافة العربية, 2017)، فإن رؤية المسكر وما يرتبط به من سكر وخمر في المنام تحمل دلالات متعددة.
يشير النابلسي إلى أن المسكرات، سواء كانت مصنوعة من اللبن أو الحشيش أو البهارات والعقاقير، تدل على الشبهات في الأموال والأولاد والأزواج. ويوضح أن شرب المسكر في المنام قد يعني التعرض للضرب في اليقظة، أو إقامة الحد والجلد لمعصية ارتكبت. وأما المسكر الرديء، فيؤول إلى فساد الدين أو الزوجة، أو الردة عن الإسلام، أو نقض التوبة. كما ذكر أن من يصنع مسكرًا من لبن الخيل، فإن ماله يكون حرامًا، خصوصًا إن كان يزيل العقل، وقد يشبه حكمه حكم الخمر، وقد يدل على التساهل في أكل البر أو التمر أو العنب.
ويذهب النابلسي إلى أن السكر الناتج عن النبيذ والخمر يدل على السلطان والمال. ويرى أن من يشرب الخمر يصيب مالًا حرامًا ورزقًا واسعًا، وقد ينال سلطة بقدر ما أصابه السكر. أما السكر الناتج عن غير الشرب، فيدل على خوف شديد. ويرى النابلسي أن السكر عمومًا يعتبر دليلاً رديئًا للرجال والنساء، لما يشير إليه من جهل كثير وتعقد في الأمور. لكنه يستثني من كان خائفًا، فالسكر له خير. كما أن التظاهر بالسكر دون واقع يدل على ادعاء ما لا يملك الإنسان، أو قد يصيبه أمر عظيم يجعله في حالة توهان. وإن كان الرائي من أهل الصلاح، فالسكر قد يدل على شدة الحب في الله تعالى.
ويفصل المؤلف في تفسير الخمر، فيذكر أنها تمثل مالًا حرامًا يأتي بسهولة. وشربها يعتبر ارتكاب إثم كبير. فإذا شربها منفردًا، فقد أصاب مالًا حرامًا. أما إن كان له منازع في الكأس، فالخصومة تكون كلامية. ورؤية نهر من الخمر تدل على فتنة في الدنيا. ويرى النابلسي أن شرب الخمر قد يدل على موافقة في أمر زواج أو شركة. وعلى العكس، فإن شرب الوالي للخمر يعني عزله. وشرب الخمر الممزوج بالماء قد يعني مالًا حلالًا فيه شبهة حرام، أو مالًا في شركة، أو نيل مال من امرأة مع وقوع في فتنة. أما عصر الخمر، فيشير إلى خدمة السلطان. ودعوته إلى مجلس خمر مع فاكهة تعني دعوته للجهاد والشهادة. ويرى المؤلف أن الخمر بشكل عام تدل على الفتنة، والشر، والعداوة، والبغضاء. وفي بعض الأحيان، قد يدل شربها على الشفاء من مرض، أو على زوال العقل بالجنون أو الهم.
تفسير منصة مفاتيح المنام (الذكاء الاصطناعي)
التأويل: رؤية المسكر في المنام تُحمل على معانٍ متعددة بحسب صورة الحلم وحال الرائي: فإذا كان السكر ناشئاً عن شراب كخمرٍ أو نبيذٍ فالغالب أنه يدل على مالٍ وسلطان مع فتنة وشبهة في الكسب، وقد يصل إلى جهلٍ وبطرٍ وتميعٍ في الضبط، بينما السكر من غير شرب فهو همّ وخوفٌ ودهشة. والتساكر دون حقيقة يدل على ادّعاء ما ليس في النفس. ويُستثنى الخائف فالسكر له أمان، وللوالي إن شرب الخمر عزل. وهذه الدلالات معروفة عند أهل التعبير، ومستندة إلى النصوص وإلى أقوال المعتبرين من المعبّرين.
تحليل الرموز والعناصر:
- رمز المسكر والخمر: ورد في الرؤى أنه مالٌ حرام يأتي بسُهولة، وقد يكون معه رزقٌ واسع وسلطان بقدر ما كان من سكرٍ، لكنه باب فتنة وعداوة وبغضاء، وقد يدل شربه على العزل للوالي، وعلى موافقةٍ في شركةٍ أو زواجٍ بسبب الامتزاج، وعلى الشفاء أحياناً بقرينة الحال. واستشهد ابن سيرين بقوله تعالى: يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس لتجاذب الدلالة بين نفعٍ وضرر، مع رجحان الإثم، وحملَ رؤية كثرة الشاربين على الرداءة لما يتبعها من سُكر وشغب.
- رمز السُكر نفسه: عند ابن سيرين السُكر من غير شراب همٌّ وخوفٌ وهول مستدلًا بقوله تعالى: وترى الناس سكاری وما هم بسكارى، وأما السكر من الشراب فمالٌ وبطرٌ وسلطان وأمنٌ من الخوف؛ فإن بلغ حدّ تمزيق الثياب دلّ على بطرٍ وعدم احتمال النعمة. كما عُدّ السكر في الجملة ردياً للرجال والنساء لأنه يدل على جهلٍ كثير.
- عند النابلسي: نصّ على أن “المسكر” في المنام يدل على الشبهات في الأموال والأولاد والأزواج، وعلى إقامة الحدّ والجلد والضرب في اليقظة، وقد يدل على فسادٍ في الدين أو الردّة أو نقض التوبة إن كان رديئاً؛ والسكر من الشراب سلطانٌ ومال، ومن غير الشرب خوفٌ شديد، والتساكر ادّعاءٌ لما ليس في الإنسان، ويُعدّ خيراً للخائف، ولأهل الصلاح قد يدل على غلبة محبّة الله تعالى.
- تعاضد الأدلة من الوحي واللسان والعرف:
- القرآن: ذِكرُ إثم الخمر وفتنتها من جهة، ومنافعها من جهة، يفسّر ازدواج الدلالة في الرؤيا بين مالٍ أو موافقةٍ وبين فتنةٍ وبطرٍ. وقد استشهد المعبّرون بهذه الآيات في باب الخمر والسكر.
- أقوال المعبّرين: ما سبق عن ابن سيرين والنابلسي هو المعتمد في الباب، ويُرجَّح فيه وجه الخير إن دلت القرائن (كالخوف في الواقع)، ويُغلّب التحذير إن ظهرت أمارات البطر والجهل أو شبهة الحرام.
تفصيل التأويل بحسب الصور المحتملة:
- شربُ خمرٍ أو نبيذٍ حتى السكر: نيلُ مالٍ مع شبهة وفتنة، وقد يكون سلطاناً أو نفوذاً بقدر مبلغ السكر، مع خوف الوقوع في الجهل والبطر؛ وللوالي عزل. إن كان في مجلس لهوٍ مع جمعٍ كُثُر فهي رؤية رديئة لِما يُتبعها من شغب ومخالفة. وقد تدل الممزوجة على مالٍ مختلطٍ حلاله بحرامه، أو على شركةٍ أو نيل مالٍ من امرأة مع فتنة.
- سُكرٌ بلا شرب: همٌّ وخوفٌ ودهشة؛ فإن كان الرائي في اليقظة خائفاً فهذه بشارة بالأمن.
- التساكر دون حقيقة: ادّعاء ما ليس في النفس أو محاولة إظهار قوّةٍ أو سعةٍ لا يملكها صاحبها.
- تمزيق الثياب حال السكر: علامة البطر وسوء احتمال النعمة، وتحذير من التبذير والاندفاع.
- “المسكر” مطلقاً دون تعيين: شُبهات في المال والأهل، واحتمال التعرّض لعقوبةٍ تأديبية أو ابتلاءٍ يطهّر، والتحذير من فسادٍ في الدين إن دلّت القرائن على رداءته.
الاعتبار النفسي والحياتي:
- قد تعكس رؤى المسكر رغبةً في الهروب أو “تخدير” المشاعر أمام ضغطٍ نفسي أو مسؤولية، أو شعوراً بفقدان الضبط والحدود. فإن كان الرائي واقعاً في قلقٍ أو تهديد، ظهر رمز السكر كآلية أمانٍ نفسية (بشارة أمنٍ للخائف عند أهل التعبير). وإن كان منغمساً في لهوٍ أو إسرافٍ، جاء الحلم نذيراً من التبذير والبطر والخصومات وما يفسد العلاقات. وهذه المعاني توافق قاعدة العُرف والحال في التعبير، مع تقديم وجه الخير ما أمكن ما لم تعارضه القرائن.
تنبيهات ونصيحة:
- إن كانت رؤيتك تضمنت معصية صريحة، فالواجب أن لا تُحمل على الترخيص فيها، بل تُجعل نذيراً للتوبة وتصحيح المسار، فالرؤيا لا تبني حكماً شرعياً وإنما هي بشارة أو إنذار. ولمن رأى ما يكره: فليستعذ بالله، ولينفث عن يساره ثلاثاً، ولا يُحدّث بها أحداً. ولمن رأى قرائن الخوف والهم فليبشر بقرب الفرج والأمن بإذن الله. والمعاني تتأكد وتترجح بتفاصيل الحلم وحال الرائي.
- إن رغبتَ بتعبيرٍ أخصّ: صف لي مشهد الحلم بدقّة (نوع المسكر، شرب/مجالسة/مجرد رؤية، وجود منازع، حالك في اليقظة، أي أفعال كتمزيق الثياب أو خصومة)، فبذلك يتضح الوجه المرجّح من الدلالة.
المراجع
محمد بن سيرين، تفسير الاحلام الكبير (دار الارقم بن ابي الارقم - بيروت / لبنان، 2016)، ص. 101. ISBN: 9789953724072.
محمد بن سيرين، تفسير الاحلام الكبير (دار الارقم بن ابي الارقم - بيروت / لبنان، 2016)، ص. 101. ISBN: 9789953724072.
محمد بن سيرين، تفسير الاحلام الكبير (دار الارقم بن ابي الارقم - بيروت / لبنان، 2016)، ص. 304. ISBN: 9789953724072.
محمد بن سيرين، تفسير الاحلام الكبير (دار الارقم بن ابي الارقم - بيروت / لبنان، 2016)، ص. 98. ISBN: 9789953724072.
محمد بن سيرين، تفسير الاحلام الكبير (دار الارقم بن ابي الارقم - بيروت / لبنان، 2016)، ص. 219-220. ISBN: 9789953724072.
عن المصادر
الكتاب المنسوب لابن سيرين هو مدونة تفسيرية جُمعت عبر أجيال، ونسبتها لابن سيرين محل خلاف بين المحققين.
