المقبرة في المنام: دلالات ابن سيرين والنابلسي ومعاني الرؤى

تفسير محمد بن سيرين

وفقًا لمحمد بن سيرين في كتابه تفسير الاحلام الكبير (دار الارقم بن ابي الارقم - بيروت / لبنان, 2016)، فإن رؤية المقابر والمقبورين تحمل دلالات متعددة.

الدلالات العامة للمقابر (الجبانة): يشير ابن سيرين إلى أن المقابر، أو الجبانة، قد تدل على فساد الدين، أو على أماكن الاستخفاف والعامل المهلكة كدور الزنا والخمر، ودور الغافلين الذين لا يصلون ولا يذكرون الله . كما يذهب إلى أنها قد تدل على السجن، وذلك لأن الميت مسجون في قبره . ويرى أن المقبرة قد تدل على جهنم، كونها سجن العصاة والكفرة . ويمكن أن تدل الجبانة أو الفندق المجهول على منزل لمن يسافر عن وطنه .

الأفعال المتعلقة بالمقابر:

• دخول المقبرة: فمن رأى نفسه يدخل جبانة وهو مريض، فإن ذلك يشير إلى موته من علته، خاصة إذا بنى فيها بيتًا . أما إن لم يكن مريضًا، فإن دخوله بحالة خشوع وبكاء وتلاوة قرآن وصلاة، يدل على دخوله أماكن الخير وحلق الذكر، ونيل النسك والانتفاع بما يراه أو يسمعه . وعلى النقيض، إن دخله ضاحكًا، أو مكشوف السوءة، أو يبول على القبور، أو ماشيًا مع الموتى، فإنه يدل على مداخلة أهل الشر والفسوق وفساد الدين . وإن دخل مؤذنًا أو تاليًا للقرآن، فإنه يعظ قومًا في عصيانهم أو بدعهم وإلحادهم، ويقوم بحجة الله فيهم .
• زيارة المقابر: يفيد ابن سيرين أن من رأى أنه يريد أن يزور المقابر، فإنه يزور أهل السجن .
• حفر القبر: يوضح النابلسي أن من رأى أنه يحفر لنفسه قبرًا، فإنه يبني لنفسه دارًا . ولو رأى أنه يحفر قبرًا على سطح بيته، فإنه يعيش طويلًا .
• الوقوف على القبر: يشير إلى ارتكاب ذنب، مستشهدًا بقوله تعالى: "ولا تقم على قبره" .
• نبش القبور: يذكر محمد بن سيرين أن النابش يطلب مطلبًا خفيًا مندرسًا قديمًا . فإن نبش قبر عالم، فهو نبش على مذهبه وإحياء لما درس من علمه . أما إن أفضى به النبش إلى رمة بالية أو عظام متكسرة، فإن علمه يخرج إلى بدعة وحادثة . وإن وجد الميت حيًا، استخرج أمرًا صالحًا وأحيا سنته . ولو نبش قبر كافر أو ذي بدعة، فإنه يطلب مذهب الضلالة أو يعالج مالًا حرامًا بالمكر والخديعة . وإن أفضى النبش إلى جيفة منتنة أو حمأة، دل ذلك على الوصول إلى الفساد المطلوب .

سمات وظروف خاصة بالمقابر:

• القبر المحفور في الصل: يذهب ابن سيرين إلى أنه السجن في التأويل .
• كثرة القبور في موضع مجهول: تدل على رجال منافقين .
• رؤية القبور ممطرة: نال أهلها الرحمة .
• قبر في موضع مجهول: يدل على مخالطة رجل منافق .
• المقابر المعروفة: تدل على أمر حق وهو غافل عنه .
• المقابر المجهولة: يمكن أن تدل على رجل سوء يأوي إليه رجال سوء .

رؤية الأموات والمقابر في الأحلام:

• الموتى يثبون من قبورهم أو يرجعون: إن رأى الموتى وثبوا من قبورهم أو رجعوا إلى دورهم مجهولين، فإن ذلك يعني خروج من السجن، أو سلامة قوم مشركون، أو إنبات ما قد يئس منه الناس .
• الموتى أحياء مستبشرين: دل على حسن حالهم عند الله تعالى .
• الموتى غير مستبشرين أو معرضين: دل على سوء حال الرائي عند الله تعالى .
• ميت عرفه يخبر أنه لم يمت: دل على صلح حال الميت في الآخرة .
• رؤية الميت حيًا: إذا كان الميت معروفًا، دل على صلح أمره بعد الفساد وعقب عسره يسرًا . وإن رأى الميت قد عاش، فإن سنته تحيا في خير أو شر للرائي .
• نداء الميت: إذا كان الرائي مريضًا لحقه الموت. وإن كان مفاقًا، فقد وعظه وذكره فيما فرط منه ليرجع عما هو فيه ويصلح ما عليه .
• ضرب الميت أو استقباله بعبوس وتهديد: فليحذر وليصلح ما خلفه عليه من وصية إن كانت إليه أو في أعمال نفسه وذنوبه .
• تلقي الميت بالبشر والشكر والسلام والمعانقة: فقد بشره بضد حال الأول .
• أكل الميت: في دار فيها مريض، دل على هلك المريض. وإلا، ذهب ل أهلها مال .
• حمل الميت فوق النعش: مؤيد لما دل عليه الموت في الرؤيا، وقد يؤول بمنصب يستعمله في قهر الرقاب .

الدفن وآثاره:

• من رأى كأنه مات ودفن: فإنه يسافر سفرًا بعيدًا يصيب فيه مالًا .
• الدفن في القبر من غير موت: دلت رؤياه على أن دافنه ينهره أو يحبسه. فإن مات في القبر بعد ذلك، مات في الهم. وإن لم ير الموت في القبر، نجا من ذلك الحبس والظلم .
• الدفن عمومًا: قال بعضهم: إن دفن، فدينه يفسد .
• الخروج من القبر بعد ما دفن: يرجى له التوبة .
• حَثْي التراب على رجل أو تسليمه لحفيرة القبر: يلقيه في هلكة .
• الوضع في اللحد: ينال دارًا .
• تسوية التراب على النفس في القبر: ينال بقدر ذلك التراب مالًا .
• الموسر في مقبرة يطوف ويسلم على القبور: قيل إنه يصير مفلسًا يسأل الناس، للمقبرة موضع المفاليس .

دلالات أخرى مرتبطة:

• قبر ميت حول إلى داره أو محله أو بلده: فإن عقبه يبنون هناك دارًا .
• دخول قبر من غير أن كان على جنازة: اشترى دارًا مفروغًا منها .
• حمل الميت على النعش: مؤيد لما دل عليه الموت في الرؤيا .

تفسير عبد الغني النابلسي

وفقًا لـعبد الغني النابلسي في كتابه تعطير الأنام في تفسير الأحلام (وكالة الصحافة العربية, 2017)، فإن للمقبرة دلالات متعددة في المنام .

يذكر النابلسي أن المقبرة في المنام دالة على الموعظة، والقراءة، والبكاء، والتذكار، والخشوع، والتجرد عن الدنيا . وربما دلت على العلماء، أو الزهاد، وأمراء الملك، وزعماء الجيوش من المؤمنين . ويشير النابلسي إلى أن مقابر الإسلام قد تدل على خيامهم واستعداداتهم للقاء بجيوشهم، واجتماع الرجال والنساء لأمور مهمة . وقد تدل المقبرة أيضًا على دار زانية . أما مقابر أهل الذمة، فإنها تدل على البدع، والغفلة، والخمور، والزنا، والفسق، والكفر، والخوف . وتدل النواويس ومدافن الجاهلية على الكسب، والمغنم، والسبي، وكشف الأسرار، والاطلاع على العورات من أهل الشرك والنفاق، فمن حصل منه شيء ذو قيمة دل على الرزق الحلال أو المغنم .

ويفيد النابلسي أن المقبرة هي محل للخشوع، والغسل، والطيب، والصمت، والتوجه إلى القبلة . كما أنها تدل على الإحصان، وعلى ما يستعان به ضد الأعداء كالحصن المنيع للأمن من الخوف .

ويضيف عبد الغني النابلسي أن الجبانة، وهي المقبرة، قد تدل على السجن لأن الميت مسجون في قبره، وتشير إلى الغافلين الذين لا يصلون ولا يذكرون الله . كما أن رؤية المقابر المعروفة تدل على أمر حق .

تفسير منصة مفاتيح المنام (الذكاء الاصطناعي)

التأويل: المقبرة في المنام تؤول غالبًا إلى الموعظة والرجوع إلى الله، وهي أمنٌ للخائف وخوفٌ للآمن، وتدل بحسب حال الرائي ودخوله عليها: فإن دخلها خاشعًا تالياً ذاكِرًا كانت بشارة بصحبة أهل الخير والتنسك، وإن دخلها مازحًا أو باطلاً أو على منكر دلّت على مخالطة أهل الفسوق وفسادٍ في الدين. وقد تدل على السجن أو على أمرٍ حقٍّ غفل عنه الرائي، وتختلف دلالتها بين مقابر المسلمين التي تُشعر بالهدى والتذكير، ومقابر أهل الذمة التي قد تشير إلى البدع والغفلة.

التحليل والبيان:

• تحديد الرموز والعناصر:

  • رمز المقبرة/الجبانة: جاء عند النابلسي أنها موضع موعظة وبكاء وخشوع وتجرد عن الدنيا، وربما دلّت على الآخرة، كما قد تدل على العلماء والزهاد، وأيضًا على السجن لأن الميت مسجون في قبره، وهي أمن للخائف وخوف للآمن. وميّز بين مقابر الإسلام التي قد تدل على أمر حق وخيامهم ومجتمعهم، ومقابر أهل الذمة التي تدل على البدع والخمور والزنى والفسق والكفر والخوف.
  • عند ابن سيرين: المقابر المعروفة تدل على أمرٍ حقٍ وهو غافل عنه، وكثرة القبور في موضعٍ مجهول رجالٌ منافقون، وزيارة المقابر قد تحمل معنى زيارة أهل السجن، والقبر المحفور في الصخر سجن في التأويل. كما نصّ على أن المقبرة موضع المفاليس، والتنبيه إلى الوقوف على القبر أنه تعاطٍ لذنب لورود النهي القرآني: ولا تقم على قبره.
  • أحوال الدخول والفعل داخل المقبرة: من دخلها خاشعًا باكيًا تالياً أو مصليًا صحب أهل الخير وحلق الذكر ونال نسكًا، ومن دخلها ضاحكًا أو بائلًا على القبور أو ماشيًا مع الموتى خالط أهل الشر والفسوق وفساد الدين.

• الربط بالمصادر الشرعية والثقافية:

  • القرآن الكريم: استدل أهل التعبير بآيات منها: ولا تقم على قبره للتنبيه على ترك مواطن الإثم والاعتبار بالموعظة عند القبور، وبل أحياء عند ربهم يرزقون في أحوال رؤية الأموات أحياء وما فيها من صلاح حالهم في الدار الآخرة، مما يعزّز كون المقبرة موطن تذكّرٍ واعتبار. هذه الاستشهادات وردت في سياق بيان ابن سيرين لمعاني القبور والأموات.
  • أقوال أهل التعبير:
    • النابلسي: المقبرة موعظة وخشوع وتجرد، وقد تكون سجنًا، وتمييز بين مقابر المسلمين ومقابر أهل الذمة في الدلالة، وتفصيل لأحوال الدخول وما يترتب عليها من صحبة أهل الخير أو أهل الشر.
    • ابن سيرين: المقبرة المعروفة أمر حق، وكثرتها في المجهول نفاق، والوقوف على القبر ذنب، وزيارتها زيارة أهل السجن، والقبر في الصخر سجن. كما جعل حال الداخل قرينةً مرجّحةً للتعبير.

• التفسير النفسي والحياتي:

  • المقبرة في علم النفس الرمزي تمثل حدود الحياة ونهاية مرحلة وبداية مراجعة، فتنبّه لاشتغال القلب بقضايا الموت والمعنى والتوبة. إن رأيتها بخشوع أو بكاء أو تلاوة فهذا يعكس حاجة داخلية للتزكية ومصالحةٍ مع الذات وتخفيف همٍّ ثقيل. أما رؤيتها مع سلوكٍ مستهتر أو على منكر فتعكس توترًا خلقيًا أو مخالطة بيئات تُضعف الدِّين، وهي دعوة لمراجعة الصحبة والعادات.
  • اختلاف الدلالة باختلاف القرائن:
    • مقبرة معروفة: تنبيه إلى حقٍّ أغفله الرائي أو فريضةٍ قصّر فيها.
    • كثرة القبور بمكان مجهول: التحذير من نفاقٍ أو بيئةٍ مزدوجة المعايير.
    • نية الرائي وحاله عند الدخول: قرينة حاسمة بين بشارةٍ بالنسك والذكر، أو إنذارٍ بمداخلة أهل الفسوق.
    • وقد تحمل المقبرة معنى السجن أو الضيق لمن له قضية حبسٍ أو قيدٍ أو كربٍ مشابه.

نصيحة عملية:

• إن كانت رؤيتك للمقبرة مقرونةً بخشوعٍ وذكرٍ فارجُ خيرًا في قلبٍ ليّنٍ وإقبالٍ على الطاعة، وحافظ على الذكر والصدقة والدعاء للأموات.
• إن كانت مقرونةً بضحكٍ أو عبثٍ أو منكرٍ فاستعذ بالله، وجدد توبتك، وابتعد عن مواطن السوء وأصحابه، وأكثِر من الاستغفار والعمل الصالح.
• وإن كانت الرؤيا غامضة بلا تفاصيل وثيقة، فقد تكون من حديث النفس، فاهدأ واذكر الله ولا تُبنِ عليها حكمًا، فالتعبير ظنٌّ واجتهاد، والصواب من الله.

المراجع

محمد بن سيرين، تفسير الاحلام الكبير (دار الارقم بن ابي الارقم - بيروت / لبنان، 2016)، ص. 190. ISBN: 9789953724072.

محمد بن سيرين، تفسير الاحلام الكبير (دار الارقم بن ابي الارقم - بيروت / لبنان، 2016)، ص. 188-189. ISBN: 9789953724072.

محمد بن سيرين، تفسير الاحلام الكبير (دار الارقم بن ابي الارقم - بيروت / لبنان، 2016)، ص. 188-189. ISBN: 9789953724072.

محمد بن سيرين، تفسير الاحلام الكبير (دار الارقم بن ابي الارقم - بيروت / لبنان، 2016)، ص. 194-196. ISBN: 9789953724072.

محمد بن سيرين، تفسير الاحلام الكبير (دار الارقم بن ابي الارقم - بيروت / لبنان، 2016)، ص. 53. ISBN: 9789953724072.

محمد بن سيرين، تفسير الاحلام الكبير (دار الارقم بن ابي الارقم - بيروت / لبنان، 2016)، ص. 52-53. ISBN: 9789953724072.

محمد بن سيرين، تفسير الاحلام الكبير (دار الارقم بن ابي الارقم - بيروت / لبنان، 2016)، ص. 190-191. ISBN: 9789953724072.

عبد الغني النابلسي، تعطير الأنام في تفسير الأحلام (وكالة الصحافة العربية، 2017)، ص. 1247-1248.

عبد الغني النابلسي، تعطير الأنام في تفسير الأحلام (وكالة الصحافة العربية، 2017)، ص. 244.

عبد الغني النابلسي، تعطير الأنام في تفسير الأحلام (وكالة الصحافة العربية، 2017)، ص. 988.

عن المصادر

الكتاب المنسوب لابن سيرين هو مدونة تفسيرية جُمعت عبر أجيال، ونسبتها لابن سيرين محل خلاف بين المحققين.