تفسير المصالحة في المنام عند ابن سيرين والنابلسي ودلالاتها

تفسير محمد بن سيرين

«وفقًا لـمحمد بن سيرين في كتابه تفسير الاحلام الكبير (دار الارقم بن ابي الارقم - بيروت / لبنان, 2016)، فإن رؤيا المصالحة تحمل عدة دلالات.»

ويوضح ابن سيرين أن المصالحة في المنام تدل على ظهور الخير، مستدلًا بقوله تعالى: ﴿والصلح خير﴾ . ويشير إلى أن الدعوة إلى الصلح هي دعوة إلى الهدى والسلام . أما النهي عن الصلح، فيفهم منه أن صاحبه مانع للخير . ويذهب ابن سيرين إلى أن الصلح بحد ذاته يدل على السلامة، وأن السلم أحد معانيه .

كما يذكر محمد بن سيرين أن الخصومة قد تنتهي بالمصالحة في الرؤيا . فمن رأى أنه خاصم خصمًا ثم صالحه، فإن ذلك يشير إلى حل لتلك الخصومة .

ويضيف ابن سيرين، فيما يتعلق بالتعامل مع الأعداء، أن مصافحة العدو أو معانقته تزيل العداوة وتزيد المودة، لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "المصافحة تزيد في المودة" . وفي حال رأى الشخص أن عدوه يسلم عليه، فإن ذلك يدل على أن العدو سيبادر أو يطلب الصلح .

تفسير عبد الغني النابلسي

وفقًا لـعبد الغني النابلسي في كتابه تعطير الأنام في تفسير الأحلام (وكالة الصحافة العربية, 2017)، فإن "المصالحة" في المنام قد تحمل عدة دلالات.

يشير النابلسي إلى أن المصالحة في الحلم هي في الأصل خصومة، فمن رأى أنه صالح خصمه، فقد خاصمه في الواقع . ويرى النابلسي أن الصلح على موجب الشرع في المنام دليل على الألفة والتوبة من المعاصي والهداية إلى مرضاة الله، ويدل على الخير . وعلى النقيض، يوضح المؤلف أن الصلح قد يدل أيضًا على الخصومة، فمن رأى أنه صالح خصمًا خاصمه .

ويفصّل عبد الغني النابلسي في تفسير بعض الحالات المتعلقة بالمصالحة؛ فمن رأى أن رجلاً عليه مائة درهم لرجل آخر فاصطلحا على خمسين درهماً، وكان بينهما كلام يحتمله صاحب المال ويتحلى بالحلم، فإنه ينال خيرًا، مستشهدًا بقوله تعالى: "والصلح خير" . وذكر المؤلف أنه إذا رأى شخص أنه يدعو رجلاً معروفًا أو مجهولاً إلى الصلح دون قضاء دين، فإن ذلك يعني أنه يدعو ضالاً إلى الهدى . وتشير مصالحة الغريم على شطر المال إلى نيل خير .

وفي سياق الصلح بين الجماعات، يوضح النابلسي أن الصلح بين فئتين في الحرب يدل على الأمن من الخوف، وإدرار الرزق، والسعي في الخطبة أو الزواج أو الشركة أو المعاقدة على البيع أو الشراء . وفي حال اصطلحت فئتان مختلفتان، كان ذلك دليلاً على ظهور البدع والفتن . أما إذا كان الصلح يتعلق بأفعال محرمة كقتل النفس أو شرب الخمر، فيدل ذلك على الفساد والعداوة بين الناس .

كما يورد عبد الغني النابلسي تفسيرات لمفاهيم قريبة من المصالحة. فـ "الهدنة" في التأويل دالة على الأمن من الخوف، والراحة بعد التعب، وشفاء المريض، والفسحة في الأجل، والفوائد والأرزاق، والزواج للأعزب، والشروع في الأبنية والصلوات وأفعال البر . ويرى النابلسي أن "الشفعة" في المنام دالة على الصلح مع الأعداء، بالإضافة إلى كونها بشارة بالزواج للأعزب والنكاح للأهل والأقارب، والمحافظة على الصلاة، وربما دلت على الولد والمال .

تفسير منصة مفاتيح المنام (الذكاء الاصطناعي)

التأويل: رؤية المصالحة في المنام في الغالب بشارة بظهور خير وعودة ألفة وسلام، وقد تدل على توبة وحلّ نزاع إذا كانت على موجب الشرع. وتتفاوت دلالتها بحسب من يتم الصلح معه، وعلى ماذا كان الصلح، وما إذا كان الصلح بين أفراد أو بين جماعتين، أو كان على أمر مشروع أو محرّم. وقد تأتي أحياناً على وجه التحذير إن كان الصلح على باطل. هذا كله يُحمل على الرجاء لا على الجزم.

التحليل والبيان:

• الرموز والعناصر:
  • الصلح/المصالحة: عند ابن سيرين تدل على ظهور الخير، واستُدل بقوله تعالى: والصلح خير، كما أن الدعوة إلى الصلح دعوة إلى الهدى، ورفض الصلح علامة على منع الخير، والصلح من معانيه السِلم والسلامة.
  • الصلح عند النابلسي: دليل الألفة والتوبة إلى مرضاة الله، غير أنه يقول: من رأى أنه صالح خصماً فقد خاصمه، أي قد يعكس الحال إن خلا من موجب الشرع. والصلح بين الفئتين يدل على الأمن من الخوف وزيادة الرزق، أما الصلح على قتل نفس أو شرب خمر فيدل على الفساد والعداوة بين الناس.
• ربط بالموروث العربي والإسلامي:
  • أصل الدلالة من القرآن: والصلح خير، وقد اعتمدها أهل التعبير في حمل المصالحة على الخير والسلامة في الأصل، كما في صياغة ابن سيرين.
  • عند أهل التعبير:
    • ابن سيرين: المصالحة ظهور خير، والدعوة إلى الصلح هدى، ورفض الصلح منع للخير، والصلح سلامة.
    • النابلسي: الصلح ألفة وتوبة إن كان على موجب الشرع، وقد يأتي بمعنى عكسه (خصومة) بحسب السياق والقرائن، والصلح بين الجماعات أمنٌ ورزق، وعلى المحرّم فساد وعداوة.
• التطبيق على الحالات المحتملة:
  • الصلح مع شخص بينك وبينه خلاف: يميل إلى الخير وذهاب الشحناء، خاصةً إن اقترن بقول حسن أو سلام وأمانة، وهو عند النابلسي قد يدل على نفس الخصومة إن خلا من موجب شرعي أو قرائن الإصلاح الحقيقي.
  • الدعوة إلى الصلح: دعوة إلى الهدى وتقريب القلوب، وفيه رجاء بانفراج الأمور بين المتخاصمين.
  • رفض الصلح أو النهي عنه: إشارة إلى التعنت أو منع الخير، والتنبيه لمراجعة النفس في أسباب الشقاق.
  • الصلح بين جماعتين متخاصمتين: أمن بعد خوف، واتساع رزق، وسعي في مصالحٍ عامة، وقد يُحمَل على صلاح شأن الأسرة أو العمل إذا وردت قرائن بذلك.
  • الصلح على باطل (قتل، خمر، ظلم): تحذير من فسادٍ وفتنة وعداوة، فينبغي التنبه وترك مواطن الظلم والريبة.
• الأبعاد النفسية والحياتية:
  • المصالحة في الرؤى تميل لعكس رغبةٍ داخلية في إنهاء التوترات وترميم العلاقات، أو حاجةٍ إلى إغلاق ملفات عالقة. نفسياً قد تشير إلى استعداد للاعتذار أو قبول العذر، أو إلى قلقٍ من استمرار النزاع يدفع العقل الباطن لتمثيل مشهد الصلح بحثاً عن الأمان والسلام الداخلي. وهي كذلك قد تحفّز سلوكاً عملياً للإصلاح والمصارحة وتحسين مهارات التواصل.

اعتذار ونصيحة: لعدم ذكرك تفاصيل الحلم (مع من كان الصلح؟ هل قبلت أم رفضت؟ هل كان على حقٍ أم على باطل؟ ما حالك الديني والنفسي؟) أعتذر عن عدم الجزم بتأويلٍ بعينه. إن تيسّر، فاذكر هذه التفاصيل ليتحدد الوجه الراجح. وعلى كل حال، إن وافقت الرؤيا خيراً فاحمد الله، واغتنمها بالسعي الواقعي لإصلاح ذات البين، وترك العناد، وتحري رضا الله في أي صلح تسعى إليه، واصنع معروفاً بكفّ الأذى وردّ الحقوق، فإن في ذلك تمام البِشرى كما ذكر أهل التعبير في دلالة الصلح على الخير والألفة والتوبة.

المراجع

محمد بن سيرين، تفسير الاحلام الكبير (دار الارقم بن ابي الارقم - بيروت / لبنان، 2016). ISBN: 9789953724072.

محمد بن سيرين، تفسير الاحلام الكبير (دار الارقم بن ابي الارقم - بيروت / لبنان، 2016). ISBN: 9789953724072.

محمد بن سيرين، تفسير الاحلام الكبير (دار الارقم بن ابي الارقم - بيروت / لبنان، 2016)، ص. 269-271. ISBN: 9789953724072.

محمد بن سيرين، تفسير الاحلام الكبير (دار الارقم بن ابي الارقم - بيروت / لبنان، 2016)، ص. 37-38. ISBN: 9789953724072.

عبد الغني النابلسي، تعطير الأنام في تفسير الأحلام (وكالة الصحافة العربية، 2017)، ص. 586.

عبد الغني النابلسي، تعطير الأنام في تفسير الأحلام (وكالة الصحافة العربية، 2017)، ص. 755-756.

عبد الغني النابلسي، تعطير الأنام في تفسير الأحلام (وكالة الصحافة العربية، 2017)، ص. 1349-1350.

عبد الغني النابلسي، تعطير الأنام في تفسير الأحلام (وكالة الصحافة العربية، 2017)، ص. 703-704.

عن المصادر

الكتاب المنسوب لابن سيرين هو مدونة تفسيرية جُمعت عبر أجيال، ونسبتها لابن سيرين محل خلاف بين المحققين.