تفسير الكذب في المنام: آراء ابن سيرين والنابلسي ودلالاته
اكتشف دلالات الكذب في المنام عند ابن سيرين والنابلسي: تحذير من شهادة الزور والهذر، وارتباط صدق اللسان بصدق الرؤيا، مع نصائح للتوبة والإصلاح.
تفسير محمد بن سيرين
وفقًا لـمحمد بن سيرين في كتابه تفسير الاحلام الكبير (دار الارقم بن ابي الارقم - بيروت / لبنان, 2016)، يذكر أن كل كذاب في اليقظة، مثل المنجم والكاهن، فإن قوله في المنام يُعد كذباً. ويشير إلى أن الكذاب في حديث اليقظة قد تكذب معظم رؤياه، بينما أصدق الناس رؤيا هم أصدقهم حديثاً.
ويوضح ابن سيرين أن الشخص الصدوق في حديثه تكون رؤياه صادقة، أما من كان كذوباً ويحب الكذب، فغالب رؤياه تكذب. ومع ذلك، إذا كان الكذاب يكره الكذب من الآخرين، فقد تصدق رؤياه لذلك.
ويرى أن الكذب دليل على افتقار صاحب الرؤيا إلى العقل، خاصة إذا رأى نفسه يكذب على الله، مستشهداً بقوله تعالى: "يفترون على ال الكذب وأكثرهم ل يعقلون".
كما يفيد أن الشعر هو قول الزور، وأن من رأى نفسه يقول الشعر ابتغاء كسب فإنه يشهد بالزور. وإذا سمع الشعر، فإنه يحضر مجالس يُقال فيها الباطل. ويُبين محمد بن سيرين أن الشعر إذا خلا من الحكمة أو ذكر الله فهو زور، والشعر الذي يتعلق بالغزل يدل على قيادة باطلة. وأورد في هذا السياق قصة أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه وصف رجلاً رأى نفسه يراوغ ثعلباً بالكذوب، وكان الرجل شاعراً.
وفي سياق متصل، يذكر أن الشخص الذي يصوغ الأحاديث أو يختلق القصص يُلقب بالكذوب على ألسنة الناس.
وينبه ابن سيرين إلى ضرورة تجنب تحريف تأويل الرؤيا عن مسارها المعروف أو تجاوز حدودها المعلومة بدافع الرغبة أو الرهبة، لما قد يؤدي ذلك إلى نسبة الكذب للمؤول وحجب سبيل الحق.
تفسير عبد الغني النابلسي
وفقًا لـعبد الغني النابلسي في كتابه تعطير الأنام في تفسير الأحلام (وكالة الصحافة العربية، 2017)، يرتبط الكذب في المنام بعدة دلالات.
يوضح النابلسي أن الكذب يدل على شهادة الزور والافتراء، مما يؤدي إلى عدم الفلاح، استنادًا إلى قوله تعالى: "إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون". ويرى أن الكذب قد يعبر عن الهذر في الكلام وإسهابه دون فكر عميق، وإذا نقل أحد هذا الكلام، اشتهر بخطئه أكثر من صوابه. كما يربط بين رؤية السرقة في المنام وبين الوقوع في الزنا أو الكذب، قياسًا على اختفاء الزاني كما يختفي السارق.
وعن الكذب على الله تعالى، يشير المؤلف إلى أنه يدل على عدم عقل الرائي، مستشهدًا بقوله سبحانه: "يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون". أما الكذب على العينين، فإن صاحبه لا يجد رائحة الجنة، ويعتبر النابلسي أن أعظم الفرية أن يقول المرء أنه رأى شيئًا لم يره.
ويفيد أن من كذب في الرؤيا كُلِّف يوم القيامة بعقد شعيرتين. كما يبين أن كلام الكاذب في المنام يُقاس على كلام المنجم والكاهن في اليقظة، فهو في الحالتين كذب.
ويذهب النابلسي إلى أن رؤية الشخص الكاذب الذي يحب الكذب قد تنعكس عليه فيكون كاذبة، بينما رؤية من يكره الكذب من غيره، ولو كان هو نفسه كاذبًا، قد تصدق. وورد عن بعض العلماء أن الكاذب في الرؤيا الذي يدعي النبوة يعتبر كاذبًا، نظرًا لأن الرؤيا جزء من أجزاء النبوة.
تفسير منصة مفاتيح المنام (الذكاء الاصطناعي)
التأويل: رؤية الكذب في المنام تُنذر غالباً من الوقوع في زورٍ أو قولٍ باطل، وتدل على كلامٍ كثير يغلب عليه الخطأ، وتدعو الرائي إلى التوبة والتمسك بالصدق. وإن كان الكذب موجهاً إلى حقّ الله تعالى أو في أمور الدين فمعناه أشدّ، وفيه تحذير من سوء العاقبة ونقص التعقّل. أمّا الاعتراف بالكذب في المنام أو التراجع عنه فيُبشّر برجوعٍ عن خطأ وتوبة بإذن الله.
التحليل:
- الرموز والعناصر:
- الكذب: نصّ النابلسي على أن الكذب في المنام يدل على شهادة الزور والافتراء، وعلى عدم الفلاح، لقوله تعالى: قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون ، وهو عين معنى الآية في سورة يونس . ويذكر أيضاً أنه قد يدل على الهذر في الكلام وكثرة الغلط على الصواب.
- الكذب على الله: يدل على عدم العقل لقوله تعالى: يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون، وهي دلالة قرآنية مقرونة في كتب التعبير ، ومؤيدة بعموم قوله: إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون.
- الصدق/الكذب وحال الرائي: قرّر ابن سيرين أن أصدق الناس رؤيا أصدقهم حديثاً، وأن الكذاب في أحاديث اليقظة غالب رؤاه تكذب، وفي هذا تربية على الصدق لاستجلاب صدق الرؤيا.
- الكذب في الرؤيا نفسها: ورد التحذير النبوي أن من كذب في الرؤيا كُلِّف يوم القيامة عقد شعيرتين، وقد نقله ابن سيرين ضمن آداب الرؤيا.
- الربط بالمصادر العربية والإسلامية:
- القرآن يقرن الافتراء والكذب بعدم الفلاح والعذاب، كقوله تعالى: قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون ، وقوله: ما جعل الله من بحيرة... ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون ، وقوله: ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً... إنه لا يفلح الظالمون.
- في معهود المعبّرين، نصّ النابلسي صراحةً على دلالة الكذب في المنام على شهادة الزور والهذر في الكلام.
- في آداب الرؤيا عند ابن سيرين، التشديد على عدم الكذب في الرؤيا، والتنبيه إلى أثر صدق اللسان في صدق المنام.
- التفسير النفسي والحياتي المحتمل:
- قد يعكس رمز الكذب توتراً اجتماعياً أو خوفاً من مواجهة حقيقة، أو رغبةً في تحسين الصورة الذاتية أمام الآخرين. وقد يدل على تجنّب المسؤولية أو الصراحة في موضوع عالق. فإن كان الرائي يكره الكذب ويجاهد نفسه على الصدق، فالرؤيا قد تكون تذكيراً لطيفاً بالثبات لا توبيخاً. وإن رأى أنه يقرّ بكذبه أو يصلحه، دلّ ذلك على نية صادقة في التصحيح والتوبة.
- إن تكرر رمز الكذب في المنام، فذلك يقوّي دلالته التحذيرية طبقاً لقاعدة تكرار الرموز في الرؤيا.
نصيحة:
- الزم الصدق ظاهراً وباطناً، وقلّل من الكلام الذي لا طائل تحته، فإن الكذب قرين عدم الفلاح كما دلت عليه النصوص. وإن شعرت أنك انزلقت إلى مراوغةٍ في أمرٍ ما، فبادر بإصلاحه، واستعن بالاستعاذة عند قراءة القرآن كما أُمرنا: فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم.
- إن كانت لديك تفاصيل محددة عن الموقف في المنام: من كذب على من؟ أكان اعترافاً أم افتراءً؟ وما شعورك أثناءه؟ فذكرها يعين على تأويلٍ أدق. وإذا خشيت ضرراً عليك من إفشاء التفصيل، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك، وخذ من الرؤيا موعظتها في الصدق والرجوع إلى الحق.
المراجع
عبد الغني النابلسي، تعطير الأنام في تفسير الأحلام (وكالة الصحافة العربية، 2017)، ص. 7-8.
عبد الغني النابلسي، تعطير الأنام في تفسير الأحلام (وكالة الصحافة العربية، 2017)، ص. 7-8.
عبد الغني النابلسي، تعطير الأنام في تفسير الأحلام (وكالة الصحافة العربية، 2017).
عبد الغني النابلسي، تعطير الأنام في تفسير الأحلام (وكالة الصحافة العربية، 2017)، ص. 7-8.
عبد الغني النابلسي، تعطير الأنام في تفسير الأحلام (وكالة الصحافة العربية، 2017).
بيان منهجي
ملاحظة حول النسبة: نُشير إلى أن نسبة كتاب "تفسير الأحلام الكبير" لمحمد بن سيرين محلّ نقاش تراثي بين المحققين، وأن الكتاب المتداول هو مدونة تفسيرية منسوبة لابن سيرين رحمه الله، جُمعت ونُقلت عبر أجيال من المفسرين. نتعامل معه باعتباره مرجعًا تراثيًا في علم تعبير الرؤى، دون القطع بصحة النسبة التاريخية الكاملة.
