مدراة المركب في المنام: رمز العلم والنجاة عند ابن سيرين

تفسير محمد بن سيرين

وفقًا لـمحمد بن سيرين في كتابه تفسير الاحلام الكبير (دار الارقم بن ابي الارقم - بيروت / لبنان, 2016)، فإن رؤية المركب، أو السفينة، تحمل دلالات متعددة ترتبط بالنجاة، والمخاطر، والحالة الشخصية للرائي.

ويبيّن ابن سيرين أن السفينة تدل على كل ما ينجي الإنسان مما يدل على الغرق، مستشهداً بنجاة نوح عليه السلام بها. وهي بهذا المعنى، تدل على السلامة التي ينجو بها الشخص من الجهل والفتن . وقد تشير السفينة أحيانًا إلى الزوجة أو الجارية التي تحصن صاحبها وتنجيه، أو إلى الوالدين اللذين كانت بهما النجاة من حاجة أو موت، لأنها تحمل أبناءها في بطنها كالحامل . ويرى ابن سيرين أنها قد تدل كذلك على الصراط الذي ينجو به أهل الإيمان من النار .

ومن قوله، فإن ركوب السفينة في البحر قد يشير إلى السفر في شدة ومخاطرة، وبعدها عن البر يدل على بعد الفرج . كما أن السفينة قد تدل على السجن، أو الهم، أو العقلة إذا ركدت، مستشهداً بقصة يونس عليه السلام .

وإذا رأى الشخص أنه يركب سفينة في البحر، فإن حاله ومآل أموره يتحدد بناءً على حالته:

• فإن كان كافراً أسلم، خاصة إن كان قد صعد إليها من وسط البحر بعد يأسه من الهلاك .
• وإن كان مذنباً، تاب من ذنبه .
• وإن كان فقيراً، استغنى بعد فقره .
• وإن كان مريضاً، أفاق من مرضه، إلا أن يكون قد ركبها مع الموتى وكان في الرؤيا ما يؤكد الموت، فتكون حينها نجاة من فتن الدنيا .
• وإن كان صحيحاً وطالباً للعلم، صحب عالماً أو استفاد علماً ينجو به من الجهل، كما حدث مع موسى والخضر عليهما السلام .
• وإن كان مديوناً، قضى دينه وزال همه .
• وإن كان محروم الرزق، آتاه الله الرزق من حيث لا يحتسب .
• وإن كان أعزب، تزوج امرأة أو اشترى جارية تحصنه وتصونه .
• وإذا رأى ميتاً في السفينة في دار الحق، نجا وفاز برحمة الله من النار وأهوالها .
• وإن كان مسجوناً، نجا من سجنه وتسبب في نجاته .

ويضيف ابن سيرين أنه إذا وصل إلى ساحل البحر أو نزل إلى البر، كان ذلك أعجل وأسرع وأحسن لنجاته .

وإن كان المركب أو السفينة راكدة وأمواج البحر عاصفة، فقد يدل ذلك على دوام سجنه إن كان مسجوناً، أو طول مرضه إن كان مريضاً، أو دوام تعذر الرزق عليه، أو عجزه عن السفر إن كان يحاول، أو تعذر وصوله لزوجته إن كان قد عقد عصمتها، أو فتره عن طلب العلم إن كان طالباً، خاصة إن كان ذلك في الشتاء . وهذه الحال قد تدل على السجن لما جرى ليونس عليه السلام حين وقفت سفينته .

لكن، يشير محمد بن سيرين إلى أن عاقبة جميع ما وُصف من أحوال السفينة وما يتعلق بها هي الخير والنجاة، وذلك لمن نجا من نوح والخضر وموسى عليهم السلام، ونجاة السفينة من الملك الغاصب . ولو عطبت السفينة أو انفتحت، لنجا من فيها إلا أن يخرج راكبها إلى البر أو يُسعى به فيه، فلا خير فيه .

ويرى ابن سيرين أن السفينة التي تجري في الهواء على غير الماء، فإن جميع ما تدل عليه هالك، سواء كان جيشاً لما فيه من الخدمة والعدة، أو أي مركوب آخر . وقد تدل على نعش مريض من أصحاب السلطان أو الحكام أو العلماء أو الرؤساء .

ويستدرك النابلسي [خطأ، يجب أن يكون ابن سيرين] أن من رأى سفينته خرجت إلى البر ومشت به عليه، فإن كان طالب علم، خرج في علمه وجدله إلى بدعة أو نفاق أو فسوق، لأن البر ليس موضعها . وإن لم يكن كذلك، فقد يحنث في زوجته، أو يعتق جاريته ويدوم في وطئها، أو تكسد صناعته ويتعذر رزقه فيلتمسه من حيث لا ينبغي .

وإذا غرقت السفينة، فإن كان صاحبها والياً غضب عليه السلطان ثم نجا وعادت إليه الولاية، وإن كان تاجراً كان نقصاناً في ماله يعوض عنه . وإن غرق فيه، فهو بمنزلة الغريق . وإن كان مريضاً، مات وصار إلى التراب .

وأما من رأى أنه يملك السفينة، ففي ذلك نجاة له من الكرب والهم والمرض والحبس . وإن رأى أنه فيها، كان في ذلك إلى أن ينجو . فإن خرج منها، كانت نجاته أعجل . وإن كان فيها وهو على أرض يابسة، كان الهم أشد والنجاة بعد .

تفسير عبد الغني النابلسي

وفقًا لـعبد الغني النابلسي في كتابه تعطير الأنام في تفسير الأحلام (وكالة الصحافة العربية, 2017)، فإن رؤية "مدراة المركب" في المنام تدل على العلم والمستند الصحيح .

تفسير منصة مفاتيح المنام (الذكاء الاصطناعي)

التأويل: رؤية مدراة المركب في المنام بشارة باتباع العلم الصحيح والاعتماد على دليلٍ ثابت في القرارات، وهي دلالة على طلب الهداية وحُسن التوجيه. وإن كانت بيدك أو كنتَ تُمسك بها فذلك أقوى على أنك تتولّى القيادة الرشيدة في شأنٍ من شؤونك اعتماداً على علمٍ وبينة، أمّا إن كانت مكسورة أو معطّلة فتُنبه إلى اضطراب المعايير أو ضياع البوصلة والحاجة إلى مرجعية موثوقة.

التحليل والتعليل:

• الرموز والعناصر:
  • مدراة المركب: نصّ أهل التعبير على أنها تدل على العلم والمستند الصحيح؛ فهي أداة توجيه المركب وضبط مساره، فشُبّهت بالتسديد بالدليل والحُجّة في الحياة، وقد نُص على ذلك صراحة: “مدراة المركب: هي في المنام تدل رؤيتها على العلم والمستند الصحيح” من تعبير النابلسي.
  • ما يعاضد المعنى: ورد أيضاً عند النابلسي أن “مجداف السفينة يدل على العلم لمن رآه بيده”، وفيه تأكيد لارتباط أدوات سير السفينة بالعلم وقدرة الرائي على إحكامه إن كانت في يده.
  • عموم رمز السفينة: السفينة في أصلها رمز نجاة وهداية، وترتبط بالعلم والصحبة الصالحة؛ إذ ذكر أهل التعبير عن ابن سيرين أن ركوب السفينة لطالب العلم يدل على صحبة عالم والنجاة من الجهل، إشارةً إلى قصة موسى مع الخضر عليهما السلام.
• الربط بالمصادر والثقافة:
  • في التراث الإسلامي اتُّخذت السفينة مثالاً للنجاة والاستقامة على الطريق، وأدوات قيادتها تُحيل إلى مَن يملك العلم الذي يهدي ويقود. تقرير النابلسي لمعنى “مدراة المركب” دليلٌ مباشرٌ على كونها رمز “المستند الصحيح” الذي تُبنى عليه القرارات ، ويقوّيه تمثيل “المجداف” للعلم إذا كان بيد الرائي، بما يفيد تولّي زمام التوجيه بعلمٍ وبصيرة . كما أن عموم دلالة السفينة عند ابن سيرين على النجاة بالعلم والاهتداء بالصُحبة الربانية يعمّق المعنى.
• التأويل النفسي والحياتي:
  • إذا كانت المدراة سليمة وواضحة: فالغالب أنّ لديك الآن (أو ستُرزق) “منهجاً” أو مرجعاً معتبراً تهتدي به لاتخاذ قرارٍ مهني، دراسي، أو أسري؛ وقد يكون شخصاً مرشِداً أو نظاماً علمياً تعتمد عليه.
  • إذا كانت المدراة بيدك وتُحسن استعمالها: فهذا يدل على قيادةٍ واعية مبنية على معلومات موثوقة، وترجيحٍ سليم بين الخيارات، وربما نُضج مهني/دراسي يمنحك ثقة في التوجيه.
  • إن رأيتها معطّلة أو مكسورة: فهذا تنبيه إلى تشتّت داخلي أو اعتماد على معلومات غير موثّقة، والحاجة إلى مراجعة المصادر، أو استشارة أهل الخبرة قبل المضي.
  • إن رأيتها بيد غيرك ممن تثق به: دلّ على نفعك بعالِمٍ أو مستشارٍ أمين تُحكِّمه في شؤونك.

نصيحة عملية:

• إن كانت عندك مسألة معلّقة، فابحث عن “المستند الصحيح”: دليل مهني/شرعي/علمي معتمد، أو استشر مختصاً أميناً. قوّ قوائمك بالمصادر، ودقّق في المعلومات قبل القرار. هذا يوافق دلالة “مدراة المركب” على العلم والاعتماد على البيّنة كما قرر النابلسي ، ويوافق كون أدوات السفينة رمزاً للإمساك بوسائل الهداية والمعرفة في يد الرائي ، مع أصل معنى السفينة عند ابن سيرين أنها مركب نجاة يهدي من الجهل إلى العلم.

المراجع

محمد بن سيرين، تفسير الاحلام الكبير (دار الارقم بن ابي الارقم - بيروت / لبنان، 2016)، ص. 210-211. ISBN: 9789953724072.

محمد بن سيرين، تفسير الاحلام الكبير (دار الارقم بن ابي الارقم - بيروت / لبنان، 2016)، ص. 211-212. ISBN: 9789953724072.

محمد بن سيرين، تفسير الاحلام الكبير (دار الارقم بن ابي الارقم - بيروت / لبنان، 2016)، ص. 211. ISBN: 9789953724072.

محمد بن سيرين، تفسير الاحلام الكبير (دار الارقم بن ابي الارقم - بيروت / لبنان، 2016). ISBN: 9789953724072.

عبد الغني النابلسي، تعطير الأنام في تفسير الأحلام (وكالة الصحافة العربية، 2017)، ص. 1104-1105.

عن المصادر

الكتاب المنسوب لابن سيرين هو مدونة تفسيرية جُمعت عبر أجيال، ونسبتها لابن سيرين محل خلاف بين المحققين.