تأويل الأحلام عند ابن سيرين والنابلسي: الأصول والمنهج
مقال شامل يوضح علم تأويل الأحلام عند ابن سيرين والنابلسي: الأسس والقواعد، المنهج والأدلة، آداب المعبر والرائي، وأوقات الصدق، مع تنبيهات عملية للرؤى.
تفسير محمد بن سيرين
وفقًا لـمحمد بن سيرين في كتابه تفسير الاحلام الكبير (دار الارقم بن ابي الارقم - بيروت / لبنان, 2016)، فإن علم تأويل الرؤى يعتمد على أسس وقواعد دقيقة. ويشير ابن سيرين إلى أن التأويل هو في جوهره قياس واعتبار وتشبيه وظن، ولا ينبغي الاعتماد عليه بشكل قاطع إلا إذا ظهر صدقه في اليقظة أو ثبت بدليل . كما يؤكد أن العابر يحتاج إلى امتلاك بصيرة نافذة في الناس ليفهم حالتهم عند التعبير . وينبه محمد بن سيرين إلى ضرورة فهم اشتقاق اللغة ومعاني الأسماء، وأن طبيعة الأشياء في الرؤيا، سواء كانت مرتبطة بفصل معين، وقت من النهار، أو عادتها المعتادة، تؤثر في تأويلها . ويرى ابن سيرين أنه إذا كانت الرؤيا تحمل وجهين متضادين، خيرًا أو شرًا، فإنها تُعطى لمن هو من الصالحين أفضل وجهيها، بينما تُعطى لمن هو غير ذلك وجهها الأقبح . أما الرؤى المعقدة والمتضاربة، فينبغي أن يُستدل على وجهها الصحيح بزيادة شاهد ودليل من ضمير الرائي أو المكان الذي رأى فيه نفسه . ويذهب محمد بن سيرين إلى أن العابر لا ينبغي له أن يقف عند ما سوى ما يتعلق ببشارة أو نذارة أو تنبيه أو منفعة في الدنيا والآخرة، وأن يطرح الباقي خوفًا من أن يكون من الشيطان .
ويوضح محمد بن سيرين أن التأويل يتأتى من خلال المعنى أو بالاشتقاق اللغوي، ومن الأمثال السائرة والألفاظ المبتذلة . وقد ضرب أمثلة على ذلك، كاعتبار الصائغ رجلاً كذوبًا لما يُشاع عن "صياغة الأحاديث"، أو تفسير طول اليدين بالعطاء والسخاء استنادًا إلى المثل "هو أطول منك يدًا"، وفي ذلك إشارة إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم في زوجاته . ويورد ابن سيرين أنه قد يُعتبر بحروف الاسم، مثل تأويل "السفرجل" بـ"السفر" نظرًا لتشارك الحروف، وحذر من حمل "السوسن" على ظاهره مما قد يؤدي إلى سوء التأويل . كما استند في تفسيراته إلى معاني القرآن الكريم وأمثاله، وأقوال الأنبياء والحكماء، وأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم، مستشهدًا بآيات مثل قوله تعالى في الحبل: "واعتصموا بحبل الله جميعًا"، أو قول النبي عن النساء: "إياك والقوارير" .
ويفيد محمد بن سيرين أن عبارة الرؤيا في الغدوات تكون أحسن لفهم العابر وتذكر الرائي، وأن العابر لا ينبغي له أن يستعين في عبارته بزاجر في اليقظة أو بحساب المنجمين . وينصح ابن سيرين، إذا ظن أن الرؤيا تخص الرائي، أن يقول: "خير لك وشر لعدائك، خير تؤتاه وشر تتوقاه" . ويشير إلى أن الإمام محمد بن سيرين كان إمامًا في هذا الفن، وكان ما يمسك عنه أكثر مما يفسر، وقد قُدّر أنه كان يعبر من كل أربعين رؤيا واحدة .
وذكر ابن سيرين أن صدق الرؤيا مرتبط بصدق حديث الرائي، وأن الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة . وأوضح أن الرؤيا الصادقة قد تكون واضحة الظاهر لا تحتاج إلى تفسير، أو تكون مكينة ومضمرة تحمل حكمة . ويفيد أن ما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم، والميت (إذا سلم من الفتنة)، والطفل الذي لا يعرف الكذب، وكذلك الدواب وسائر الحيوانات العجم إذا تكلمت، فقولها حق . وعلى النقيض، فإن قول الكذاب في المنام كذب، كما أن قوله في اليقظة كذب، فكذلك من كان في اليقظة كاذبًا، فغالب رؤياه كذب . وأن رؤيا المجنب والسكران ومن غفل من الجواري والغلمان قد تصدق أحيانًا، وإن تسلط الشيطان عليهم في سائر الأزمان .
وفيما يتعلق بتأويل القرآن الكريم، يذكر ابن سيرين أنه من رأى أنه يقرأ آية رحمة فعسر عليه عند وصوله إلى آية عذاب، دل ذلك على فرج . ومن قرأ آية عذاب فلم يتيسر له قراءة آية رحمة، بقي في شدة . وإذا رأى الإنسان أن رؤياه تحتمل معنيين متضادين، وجب على العابر أن يحملها على المعنى الأقرب والأولى بألفاظها وأصولها .
تفسير عبد الغني النابلسي
وفقًا لـعبد الغني النابلسي في كتابه تعطير الأنام في تفسير الأحلام (وكالة الصحافة العربية, 2017)، فإن التأويل يمكن أن يتم بالمعنى أو باشتقاق الأسماء .
ويبيّن المؤلف أن عبارة المنام أو تأويلها هي قياس واعتبار وتشبيه وظن، لا يُقطع بها ولا يُحلف على غيبها إلا أن يظهر صدقها أو يرى سرها بها .
ويشير النابلسي إلى أن طرق استخراج التأويل كثيرة وغير محصورة، بل هي قابلة للزيادة بناءً على معرفة المعبر وكمال حذقه وديانته والفتح عليه بهذا العلم . ويوضح ابن النابلسي أن المعبر يحتاج إلى اعتبار القرآن وأمثاله ومعانيه، والأحاديث، والأشعار، والأمثال، واشتقاق اللغة ومعانيها، كما يحتاج إلى صلاح حاله وإخلاصه ليرث بذلك حسن التوسم في الناس عند التعبير لمناماتهم .
ثم يستدرك النابلسي، فيذكر أن الرؤيا الصادقة قسمان: قسم مفسر ظاهر لا يحتاج إلى تعبير، وقسم مكنى مضمر تودع فيه الحكمة والأنباء . كما يفيد بأن الرؤيا قد تتغير باختلاف هيئات الناس وصنائعهم وأقدارهم وأديانهم، فتكون لواحد رحمة وعلى آخر عذاب .
وينبه المؤلف إلى أنه ينبغي للمعبر التثبت فيما يرد عليه وترك التعنيف، وأن لا يستنكف أن يقول لما أشكل عليه: "لا أعرف"، مستشهدًا بأن محمد بن سيرين كان غالب ما لا يفسره أكثر مما يفسره . ويذكر النابلسي كذلك أن على العابر أن يعرف لمن الرؤيا ويميز كل جنس وما يليق به، وأن يكون عالماً فطناً ذكياً تقياً نقياً من الفواحش، عالماً بكتاب الله وسنة نبيه ولغة العرب وأمثالها . كما يبين أنه لا ينبغي للعابر أن يعبر الرؤيا في وقت الاضطرار، وهي عند طلوع الشمس وغروبها وعند الزوال .
وفي سياق تفسير بعض النصوص، يرى النابلسي أن تأويل ما في القرآن من آية غضب أو رحمة، لمن قرأه وهو يهودي، يكون بمعاملة رئيسه له بمثل ذلك . وإذا رأى الشخص أنه يفسر القرآن برأيه، سواء بكتابته على الخزف أو الصدف أو في الكساء، فإنه يؤول تفسيرًا شخصيًا .
وأخيرًا، يشير النابلسي إلى أن الأنبياء مثل يوسف عليه السلام ودانيال عليه السلام كانوا يضربون الأمثال للآدميين ويرونهم علم غيب الله، وأنهم كانوا يفسرون الرؤى .
تفسير منصة مفاتيح المنام (الذكاء الاصطناعي)
التأويل: أعتذر عن عدم القدرة على التعبير دون نص رؤيا واضح ومكتمل؛ فالتأويل فرعٌ عن تفاصيل المنام وسياق الرائي. أنصحك بكتابة رؤياك كاملة كما رأيتها، مع أهم القرائن، لأعطيك تعبيرًا أدق بإذن الله. وإن كان في منامك ما تكرهه، فخذ بأدب الشرع: لا تحدّث به، وتفل عن يسارك ثلاثًا، واقرأ آية الكرسي، ولن يضرك بإذن الله، كما نُقل في آداب الكراهة بعد الاستيقاظ عند أهل التعبير ، ولأن الرؤيا من الله والحُلم من الشيطان كما في صدر كتب التعبير المعتبرة. تحليل ومنهجية الوصول للتأويل:
- الرموز والعناصر: لا يمكن تحديد رموز دون سرد الرؤيا. علم التعبير يقوم على جمع الرموز ووزنها وتركيب بعضها مع بعض، ثم ترجيح وجه الخير متى أمكن، وهو ما شدد عليه أئمة الفن كابن سيرين في منهج وزن الأصول وتركيبها قبل الجواب.
- الربط بالمصادر العربية والإسلامية:
- حقيقة المنام وأقسامه: الرؤيا الصالحة من الله، والحُلم من الشيطان، وحديث النفس من شواغل القلب والبدن؛ وهذا أصلٌ مبيَّن في مقدّمات كتب التعبير، مع الأمر بكتمان المكروه والتفل عن اليسار، وأن الرؤيا الصالحة جزء من النبوة، ولا تُروى إلا لعالمٍ أو ناصحٍ أو حبيب لبيب.
- آداب الرائي والمعبر: لا تُقصّ الرؤيا إلا على حبيب أو لبيب، وأن يقول المعبر: خيرًا رأيت وخيرًا تلقاه، وأن يتأنى ولا يعجل، فالوقوع قد يكون على ما عُبّر عليه إذا وافق وجهًا صحيحًا.
- أوقات الصدق: أصدق الرؤيا ما كان في السَّحَر أو في نوم القيلولة، كما نقله أهل هذا الفن.
- الأبعاد النفسية والحياتية:
- إن كان ما رأيته مضطربًا أو متناقضًا أو منبثقًا من غلبة مزاجٍ جسدي (حرارة/برودة/امتلاء)، فقد يكون من قبيل الأضغاث وحديث النفس، وقد نصّ أهل التعبير على أن ما يراه المرء تبعًا لحال مزاجه لا تأويل له يُعتدّ به.
- المعبر الحاذق يسأل عن حال الرائي ومهنته وبيئته قبل الجواب؛ لأن القرائن تُغيّر الحكم، وقد كان ابن سيرين يطيل السؤال ويمسك عن كثير مما لا تتكامل دلائله. للوصول إلى تعبير دقيق، أرجو إرسال:
- عمرك، حالتك الاجتماعية، عملك، وبلدك/بيئتك.
- وقت الرؤيا (آخر الليل/القيلولة/غيرهما) وهل تتكرر.
- مشاعرك في المنام وعند الاستيقاظ.
- وصفًا دقيقًا للأشخاص والأسماء والألوان والأعداد والأماكن والأفعال كما وقعت.
- أي قرائن دينية أو واقعية (سماع آية/أذان/دعاء، أو أحداث معاصرة لك).
توجيه ونصيحة عامة:
- إن كانت الرؤيا حسنة، فاحمد الله ولا تحدّث بها إلا لمن يحب لك الخير أو لمعبر ثقة؛ وإن كانت مكروهة فاتركها واستعذ بالله كما تقدّم، ولا تبحث عما يُقلقك بلا داعٍ.
- التفسير ظنٌّ واجتهاد، يُبنى على أصول وضوابط، ولا يُبنى عليه حكم شرعي أو قرار قاطع حتى تتكاثف القرائن ويصدّقه الواقع، كما قرره أهل الفن في مقدماتهم. أرسل رؤياك بتفاصيلها، وأبشّرك أني سأتّبع الأصول المعتبرة في وزن الرموز وترجيح وجه الخير ما استطعت، مستأنسًا بمنهج الأئمة كابن سيرين في الجمع بين الدلالة والقرائن قبل الجواب.
المراجع
محمد بن سيرين، تفسير الاحلام الكبير (دار الارقم بن ابي الارقم - بيروت / لبنان، 2016)، ص. 3-4. ISBN: 9789953724072.
محمد بن سيرين، تفسير الاحلام الكبير (دار الارقم بن ابي الارقم - بيروت / لبنان، 2016). ISBN: 9789953724072.
محمد بن سيرين، تفسير الاحلام الكبير (دار الارقم بن ابي الارقم - بيروت / لبنان، 2016)، ص. 5. ISBN: 9789953724072.
محمد بن سيرين، تفسير الاحلام الكبير (دار الارقم بن ابي الارقم - بيروت / لبنان، 2016)، ص. 3-4. ISBN: 9789953724072.
محمد بن سيرين، تفسير الاحلام الكبير (دار الارقم بن ابي الارقم - بيروت / لبنان، 2016)، ص. 8. ISBN: 9789953724072.
محمد بن سيرين، تفسير الاحلام الكبير (دار الارقم بن ابي الارقم - بيروت / لبنان، 2016)، ص. 9-10. ISBN: 9789953724072.
محمد بن سيرين، تفسير الاحلام الكبير (دار الارقم بن ابي الارقم - بيروت / لبنان، 2016). ISBN: 9789953724072.
محمد بن سيرين، تفسير الاحلام الكبير (دار الارقم بن ابي الارقم - بيروت / لبنان، 2016)، ص. 34. ISBN: 9789953724072.
عبد الغني النابلسي، تعطير الأنام في تفسير الأحلام (وكالة الصحافة العربية، 2017)، ص. 1406-1407.
عبد الغني النابلسي، تعطير الأنام في تفسير الأحلام (وكالة الصحافة العربية، 2017)، ص. 9.
عبد الغني النابلسي، تعطير الأنام في تفسير الأحلام (وكالة الصحافة العربية، 2017)، ص. 613.
عبد الغني النابلسي، تعطير الأنام في تفسير الأحلام (وكالة الصحافة العربية، 2017)، ص. 6-7.
عبد الغني النابلسي، تعطير الأنام في تفسير الأحلام (وكالة الصحافة العربية، 2017)، ص. 981-982.
عبد الغني النابلسي، تعطير الأنام في تفسير الأحلام (وكالة الصحافة العربية، 2017).
عبد الغني النابلسي، تعطير الأنام في تفسير الأحلام (وكالة الصحافة العربية، 2017).
بيان منهجي
ملاحظة حول النسبة: نُشير إلى أن نسبة كتاب "تفسير الأحلام الكبير" لمحمد بن سيرين محلّ نقاش تراثي بين المحققين، وأن الكتاب المتداول هو مدونة تفسيرية منسوبة لابن سيرين رحمه الله، جُمعت ونُقلت عبر أجيال من المفسرين. نتعامل معه باعتباره مرجعًا تراثيًا في علم تعبير الرؤى، دون القطع بصحة النسبة التاريخية الكاملة.
